صراع يهودي يهودي محتدم بين الأصوليين والعلمانيين في إسرائيل

03 يناير، 2012 - 09:01am

شبكة أجيال الإذاعية – Arn - كتب محمد رجوب - يتخوف سياسيون إسرائيليون من تدهور صورة الدولة العبرية في العالم، بسبب تكرار اعتداءات الأصوليين اليهود (الحريديم)* على النساء اللواتي لا يرتدين لباسا محتشما بنظرهم، فضلا عن محاولة إقصائهن من الحياة العامة، وهو ما أدى إلى صراع متصاعد بين المتدينين والعلمانيين في إسرائيل.

وصل الأمر برئيس جهاز "الموساد" السابق "أفرايم هاليفي" إلى اعتبار أن التهديد الحقيقي على إسرائيل يأتي من برامج ومعتقدات طائفة (الحريديم) وليس من برامج إيران النووية، وأضاف أن الأخطار المحدقة بإسرائيل داخلية وليست خارجية.

في بلدة "بيت شيميش" القريبة من القدس تعرضت فتاة تبلغ من العمر 8 أعوام للتنكيل أثناء ذهابها للمدرسة بسبب لباسها على المحتشم بنظر الحريديم، بينما وُصِفت مجندة بالعاهرة لجلوسها في مقدمة الحافلة.

زعيمة المعارضة تسيفي ليفني قالت إن اليهود أصبحوا يخجلون من صورة إسرائيل الحالية، وتابعت: "هذه ليست إسرائيل التي حلمت بها الصهيونية". ورد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المتهم بغض الطرف عن المتدينين للحفاظ على ائتلافه الحكومي بالقول: إن إسرائيل دولة غربية ديمقراطية ليبرالية والحيز العام فيها مفتوح للجميع دون تمييز.

يعتبر الدكتور أسعد غانم المحاضر في جامعة حيفا، مؤلف كتاب "الهويات والسياسة في إسرائيل"، ومعد دراسات مقارنة حول العلاقات الإثنية في العالم، أن الصراع لا يقتصر على مكانة المرأة وإنما يتعدى ذلك إلى محاولة المتدينين فرض رؤيتهم على نمط الحياة العامة في إسرائيل اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، ورفض نمط الحياة الغربية الذي يحاول العلمانيون ترسيخه.

وفي مقابلة مع الدكتور غانم اعتبر أن الصراع بين المتدينين والعلمانيين لا يمكن فصله عن الصراعات الأخرى بين شرائح المجتمع في إسرائيل، ولفت إلى الساسة في إسرائيل يحاولون تأجيج الصراع الخارجي مع الفلسطينيين أو غيرهم في كل مرة يحتدم فيها الصراع الداخلي، وبذلك يدفع الفلسطينيون والعرب ثمن ديناميكية العلاقة الداخلية المتغيرة في إسرائيل، ورأى أن إسرائيل التقليدية التي عرفت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي تتغير نهائيا. ويقول الدكتور غانم إن الصراعات الداخلية في إسرائيل قد تطغى على الصراع العربي الإسرائيلي في يوم من الأيام. وهذا النص الكامل للمقابلة:

س: كيف يمكن أن نفهم الصراع اليهودي الراهن بين المتدينين والعلمانيين في إطار تاريخي؟

ج: الصراع بين المتدينين والعلمانيين اليهود كان موجودا في فلسطين قبل عام 1948، وكانت هناك محاولات مختلفة من جانب المتدينين للاعتراض على المشروع العلماني لدى أول رئيس وزراء لإسرائيل "ديفيد بن غريون" والحركة الصهيونية لإقامة دولة يهودية، فالكثير من المتدينين ليسوا صهيونيين، ولا يؤمنون بالدولة اليهودية، ويحاولون تثبيت رؤيتهم بانتظار قدوم المسيح من أجل إقامة الدولة بعد ذلك، ولكن من خلال السنوات التي تلت قيام إسرائيل انخرط المتدينون في المبنى السياسي الاجتماعي للمجتمع الإسرائيلي، وحاول رؤساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بدءا من "بن غريون" الحفاظ على علاقات وتفاهمات متبادلة معهم، استطاعت الصمود في السنوات التي تلت قيام إسرائيل.

ومع مرور الوقت أخذت قوة المتدينين في المبنى السياسي والديموغرافي الإسرائيلي بالازدياد، فقبل شهرين صدر دائرة الإحصاءات في إسرائيل أن (الحريديم) سيصبحون المجموعة الإثنية الأكبر بين اليهود خلال العقود الثلاثة أو الأربعة المقبلة؛ وهذا يعني تغيرا في تركيبة المجتمع ككل. من هنا يستدل أن الصراع مع العلمانيين سيحتدم أكثر ليس فقط بسبب سعي المدينين لمنع الاختلاط بين المرأة والرجل، وإنما لرفضهم الانخراط في الاقتصاد الإسرائيلي واقتصار وجودهم في المدارس الدينية الممولة من الحكومة، وامتناعهم عن التجنيد في الجيش، وصولا إلى سيطرتهم على جهاز التعليم ورفضهم تدريس العلوم أو الانجليزية في المدارس الواقعة تحت نفوذهم. وبالتالي يحول وجودهم دون بقاء النمط الغربي للحياة في إسرائيل راسخا كما مان في الماضي.

ولماذا يشعر العلمانيون اليهود بالقلق خاصة وان (الحريديم) متقوقعون على أنفسهم؟

في ظل وجود انقسام سياسي في إسرائيل، وزيادة عددية في صفوف المتدينين، وانجراف نحو اليمين، تدفع هذه العوامل بالحكومات الإسرائيلية المستقبلية لتبنى مواقف هؤلاء، ولذلك يسود استنفار متعاظم لدى المجتمع العلماني الإسرائيلي، ومن كانوا إلى جانب حزب "ماباي"** الذي حكم لعشرات السنين، وساهم في خلق نمط حياة منفتح، وذلك نجد حالة من الاصطفاف ورفض التوجهات الأصولية.

طبقا للتوازنات التي سادت في الماضي لا يتجرأ العلمانيون على الاقتراب من أحياء المتدينين في أيام السبت، وظلوا بعيدين عنهم وبالتالي لم يكن الانقسام بين الجانبين باديا للعيان. ولكن عندما يمتد الأمر إلى محاولة فرض السلوك الحريدي على الأحياء العلمانية والتقليدية يحتدم الصراع الذي هو ليس وليد اللحظة، ولكن التغيرات الديموغرافية لصالح الحريديم تجعله أكثر احتداما.

ما السيناريوهات التي يمكن أن يأخذها هذا الصراع؟

الصراع بين العلمانيين والمتدينين اليهود، ليس منفصلا عن الصراع بين الشرقيين والغربيين من المهاجرين اليهود، أو بين الروس المهاجرين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمهاجرين الأوائل، أو بين الفلسطينيين الأصليين داخل الخط الأخضر واليهود. وهذا يعني أن هناك حالة من الانقسام المتسارع في إسرائيل، ويجب فهم الانقسام العلماني والأصولي في إطار هذه الانقسامات، وأنا أرى أن إسرائيل التقليدية التي عرفناها في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي تتغير كليا. نحن أمام واقع إسرائيل مختلف.

يعتقد البعض أن الانجراف نحو اليمين في المجتمع الإسرائيلي مرتبط بتطورات الصراع مع الفلسطينيين، وهذا ليس صحيحا، فأحد أبرز أسباب هذا التحول ازدياد القوة الديموغرافية للمتدينين اللذين كانوا منذ قيام إسرائيل على علاقة متناقضة مع اليسار الإسرائيلي لاختلاف الجانبين على نمط الحياة الذي يجب أن يسود وليس على السياسة فحسب، والمتدينون الآن يحاولون الانتقام بالاصطفاف إلى جانب القوى اليمنية التي تعادي اليسار -أي الأحزاب اليمينية المتطرفة-. ومن هنا يلاحظ التدهور الكبير شعبية حزبي العمل وميرتس، ويتم التعبير عن الاصطفاف الجديد بمواقف ثقافية واجتماعية وسياسية أيضا ليدفع الفلسطينيون بذلك ثمن العلاقة الديناميكية المتبادلة داخل المجتمع اليهودي في إسرائيل.

هل لك أن تقدم أمثلة تاريخية على صراعات داخلية إسرائيلية انعكست على الفلسطينيين؟

التغيير الذي حصل عام 1996 بسقوط حزب العمل، ووصول رئيس الوزراء الحالي اليميني بنيامين نتنياهو إلى السلطة في المرة الأولى كان ناتجا عن ازدياد قوة المتدينين، وكان هناك تجند كبير مالي واجتماعي وثقافي ضد ما يسمى اليسار في إسرائيل (حكومة حزب العمل آنذاك)، وازدياد قوة المتدينين في حينه كان مرده ظهور تناقضات مع الروس المهاجرين من الدول التي كانت منضوية في إطار الاتحاد السوفيتي، ولما بلغ الصراع مستويات قياسية مع ازدياد وتيرة هجرة الروس منذ 1995 والسنوات القليلة التي تلتها وظهور حالة استقطاب حادة تم احتواؤه ذلك بتأجيج الصراع الخارجي مع الفلسطينيين عام 2000 باندلاع الانتفاضة الثانية.

ما أوجه التشابه والاختلاف بين ما جرى في تلك الحقبة وما يجري الآن؟

الآن عاد الصراع الداخلي في المجتمع الإسرائيلي ليطفو على السطح من جديد، لكن ذلك يأتي هذه المرة في خضم أجواء عالمية من الأزمات، ما يجعل المشهد أكثر تعقيدا، ولأن المجموعات المتشددة دينيا هي في الأساس أبناء لعائلات كبيرة تعيش تحت خط الفقر، وتحاول الاستفادة من قوتها السياسية من اجل الانقضاض على الوضع القائم محاكاة لما يجري في دول كثيرة، وفي هكذا وضع ونظرا لتجارب الماضي يشعر رئيس حكومة إسرائيل أن تأجيج الصراع الخارجي الطريق الأسهل للخروج من المأزق والبقاء في السلطة لفترة أطول.

كيف يمكن أن نتصور صورة المستقبل في ظل ما تقدم؟

الديناميكية الإسرائيلية لا يمكن فهمها بسهولة، وقد ينتج عن الانتخابات المقبلة في عام 2012 وضعا يعمق الهوة القائمة حاليا، أو يخلق تناقضات جديدة، وربما يعد ذلك مقدمة لتغيير في المبنى السياسي الإسرائيلي والاصطفافات السياسية، فإذا كان خيار اللجوء إلى صراع خارجي مع الفلسطينيين أو غيرهم أمرا غير ممكن لاعتبارات إقليمية، قد نشهد تقاربا بين حزب الليكود الحاكم وحزب كاديما المعارض لأن المتدينين أصبحوا يهددون سيطرة الأحزاب التقليدية التي توصف بالعلمانية والرامية للحفاظ على نمط حياة غربي في إسرائيل، إن لم يحدث هذا ولا ذلك قد نكون أم وضع يصبح فيه الصراع الداخلي الإسرائيلي هو الصراع الأساسي وليس الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ضيف هذه المقابلة هو الدكتور أسعد غانم:

- أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا.

- له عدة مؤلفات منشورة حول القضية الفلسطينية، والهويات والسياسة في إسرائيل، ودراسات مقارنة حول العلاقات الإثنية في العالم.

*(حريديم) جماعة من اليهود المتدينين الأصوليين تعيش وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية، ويحلم الحريديم بتطبيق التوراة في إسرائيل. وتعني كلمة حريديم (التقي)، وقد تكون الحريديم مأخوذة من الفعل حرد بمعنى غضب وبخل واعتزل الناس. ويشكل الحريديم نسبة تقارب 20 % من الإسرائيليين ويقيمون بأحياء خاصة بهم ويمارسون منهج حياة محافظا يحرص على الفصل التام بين النساء والرجال، وشبابهم لا يخدم بالجيش لانشغالهم في تعلم التوراة بمدارس دينية، كما تدعمهم أحزاب تشارك بالائتلاف الحكومي وتتسم بتوجهات سياسية يمينية.

** (ماباي) هو حزب يساري اشتراكي إسرائيلي سابق تأسس في ثلاثينات القرن الماضي، كان مسيطرا في السياسة الإسرائيلية، ويعد ماباي السلف الأساسي لحزب العمل الإسرائيلي الحالي الذي يعد من أكثر الأحزاب وصولا للسلطة منذ قيام إسرائيل قبل تدهور شعبيته في السنوات الأخيرة، وهو بشكل عام حزب علماني.